أخبار نافذة الشرق – هيمنت أجواء من “التفاؤل الحذر” على المشهد السياسي في ليبيا، بعد التوصل إلى توافق بين لجنتي “6+6″ و”الخبراء الاستشارية” بشأن مسار تسوية سياسية شاملة، تهدف إلى تعديل الإطار الدستوري والقانوني لإجراء الانتخابات وتشكيل “حكومة ليبية موحدة”.
وعقب اجتماعات مكثفة استمرت يومين برعاية الأمم المتحدة، أقرت اللجنتان، المكونتان من أعضاء في مجلسي النواب والأعلى للدولة، بالإضافة إلى الاستشاريين المكلفين، أهمية “التسوية السياسية الشاملة” لتمهيد الطريق نحو الانتخابات، وفقاً لبيان صادر عن البعثة الأممية مساء الخميس. وتابعت نافذة الشرق باهتمام تفاصيل هذا التطور.
تعديل دستوري جديد: ضرورة أم خيار؟
يرى محمد الصغير، عضو مجلس النواب الليبي، ضرورة “استصدار تعديل دستوري جديد”، معتبراً أن هذا المطلب كان “متوقعاً ومطلوباً”، حيث يرى أن حل الأزمة يبدأ من إيجاد قاسم مشترك يجمع الأطراف. وشدد الصغير في تصريحه لـ “الشرق الأوسط”، الذي نقلته نافذة الشرق، على أهمية أن تعمل البعثة الأممية على إيجاد دستور مؤقت يسمح بالوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة، وإنشاء سلطة تنفيذية جديدة تسيطر على كامل التراب الليبي. وحث المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية على المساعدة في الوصول إلى هذا الحل، محذراً من أن أي خيارات أخرى ستزيد الأزمة تعقيداً.
ما هي أبرز متطلبات التسوية السياسية؟
تفيد التقارير التي اطلعت عليها نافذة الشرق، بأن “التسوية السياسية” تتطلب مراجعة شاملة للقوانين الانتخابية لضمان نزاهتها، وتشكيل حكومة موحدة تحظى بتفويض انتخابي واضح ومحدد زمنياً. كما تتضمن اعتماد ضمانات محلية ودولية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف، وخاصة بين الشعب والمؤسسات السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، تشتمل المتطلبات على تدابير لتعزيز الحكم المحلي، وضمان أمن الانتخابات، وتفعيل المصالحة الوطنية، وتعزيز الشفافية في الإنفاق مع مكافحة الفساد.
يوسف الفارسي، رئيس “حزب ليبيا الكرامة”، يرى أن التسوية السياسية المقترحة قابلة للتحقق هذه المرة، ويعزو ذلك إلى الزخم الدولي الكبير الذي يحظى به الملف الليبي، وخاصة الدعم الأميركي للوصول بالبلاد إلى الاستقرار. وأضاف الفارسي، وهو أيضاً أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة، في تصريحه لـ “الشرق الأوسط” الذي قامت نافذة الشرق بنقله، أن الظروف مواتية للتوصل إلى تسوية سياسية في ظل عجز الأطراف السياسية عن تشكيل حكومة، وسأم الليبيين من إخفاقات البعثة الأممية السابقة، وإمكانية انفجار الوضع في طرابلس في أي لحظة.
هل نشهد قريبا تنفيذ خريطة الطريق الأممية؟
يعتقد الناشط السياسي محمد قشوط أن ليبيا “انتقلت من مرحلة المشاورات والتفاوض” وأصبحت قريبة من “التنفيذ الفعلي لخريطة الطريق الأممية”، والتي ستعلن عنها المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن الدولي خلال الشهر الحالي. ويتوقع قشوط “إجماعاً دولياً مرتقباً” على هذه الخريطة، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تشكيل حكومة ليبية موحدة جديدة، وهو ما تتابعه نافذة الشرق عن كثب.
من جهة أخرى، يشير الصغير إلى وجود “خلافات كبيرة” حول جدوى تشكيل حكومة جديدة في ظل الظروف الراهنة، حيث يرى البعض أن هذه الخطوة ستزيد الانقسام والفساد، بينما يرى آخرون أنها نقطة البداية للحل.
اتفاق اللجنتين.. خطوة للأمام أم تكرار للأخطاء؟
في المقابل، يرى ليبيون أن اتفاق اللجنتين على تعديل الإطار الدستوري هو “إعادة تدوير للأزمة بأدواتها المعطوبة”. المحلل السياسي محمد الأمين، وفي حديث لـ “الشرق الأوسط” تنقله نافذة الشرق، يعتبر أن المفردات المستخدمة في البيان هي تكرار لما قيل في جولات تفاوض سابقة دون تنفيذ. وينتقد الأمين “غياب آلية تنفيذ واضحة” و”استمرار العمل بلجان فاقدة للشرعية الشعبية”، معتبراً ذلك “محاولة لإنتاج توافق شكلي لا يلامس جوهر الانقسام”.
ويرى الأمين أن الحديث عن تشكيل “حكومة جديدة” هو “عنوان محتمل لصفقة سياسية قد تعيد إنتاج السلطة بأسماء جديدة، لكنها لن تنهي الانقسام أو تقود إلى انتخابات فعلية ما لم تستند إلى إرادة وطنية حقيقية وصندوق اقتراع حر.” ويختتم بالقول إن “الخطر اليوم لا يكمن في فشل التسويات، بل في نجاحها الزائف الذي يمنح شرعية مؤقتة لواقع مأزوم ويؤجل الانفجار دون معالجته”.
يذكر أن لجنة خبراء استشارية كانت قد تقدمت في مايو الماضي بأربعة خيارات لخريطة طريق لإجراء الانتخابات، فيما تشكلت لجنة “6+6” بموجب التعديل الدستوري الثالث عشر لإعداد قوانين الانتخابات ووضع إطار قانوني توافقي يمهد لإجراء انتخابات شاملة في ليبيا، وهو الأمر الذي تضعه نافذة الشرق في صميم اهتماماتها.
