بقلم: Khattab Mrsey
في لحظة عادية، كنت أُسجّل رسالة صوتية على واتساب، وقبل أن أُرسلها، توقفت.
لم أتراجع لأنني غيرت رأيي، بل لأنني شعرت — للحظة قصيرة — أن هناك من يُنصت إليّ دون أن أدري.
لم يكن شخصًا. ربما كان النظام، أو التطبيق، أو تلك الخوارزميات التي تتربص بكل ما نقول ونفكر ونضغط ونهمس.
سألت نفسي:
هل ما زالت الخصوصية موجودة؟ أم أصبحت مجرد خيار في الإعدادات نعدّلها لنقنع أنفسنا أننا في أمان؟
الخصوصية ليست إعدادًا… إنها شعور
الخصوصية في جوهرها ليست “وضع الطيران”، ولا “الوضع الخفي”، ولا حتى “قفل بصمة الوجه”.
الخصوصية هي أن تشعر أن هذه المساحة لك وحدك،
أن يكون لديك شيء لا يعرفه أحد، لا يظهر في سجل، ولا يظهر في إشعار.
لكن في العالم الرقمي اليوم، حتى أفكارك المخفية، تتحوّل إلى مقترحات فيسبوك…
حتى صوتك الداخلي، يعود إليك على شكل إعلان.

نحن من باع خصوصيته… طواعية
دعنا نعترف…
لم يُجبرنا أحد على تسليم صورنا، ومواقعنا، وأصواتنا.
نحن من ضغطنا “أوافق” دون أن نقرأ.
نحن من اخترنا أن نُستخدم… مقابل سرعة الوصول، وراحة التصفح، وجمال التصميم.
نريد كل شيء… مجانًا وسريعًا.
لكن لا شيء مجانًا فعلًا، إلا إذا كنت أنت هو الثمن.
هل نعيش في عالم مكشوف فعلًا؟
ليست كل كاميرا تراقبك… لكن كل كاميرا ترى.
ليست كل منصة تفضحك… لكن كل منصة تحفظك.
وفي كل مرة تكتب فيها شيئًا، هناك من يقرأه…
ليس بالضرورة شخصًا، بل ربما ذكاء اصطناعي يحللك، ويخمن من تكون، وما الذي ستحتاجه لاحقًا.
لماذا نخاف الكاميرات العامة ولا نخاف هواتفنا؟
في الشارع، نغضب إذا صوّرنا أحدهم دون إذن.
لكننا نرسل صورنا بأنفسنا إلى تطبيقات لا نعرف من يديرها، ولا أين تُخزن.
نخشى التجسس… ولا نخشى الموافقة.
الخصوصية: الحق الذي نتخلّى عنه بابتسامة
الخصوصية ليست مقاومة، لكنها حقّ يجب ألا يُمنح… بل يُحمى.
وربما أخطر ما يحدث الآن، أن الناس لم تعد تُدرك متى ضاعت خصوصيتها.
فحين تفقد شيئًا دون أن تعرف، لن تبحث عنه أصلًا.
كيف نستعيد جزءًا من خصوصيتنا؟
لن تكون الخصوصية الكاملة ممكنة… لكنها ليست مستحيلة.
بعض الخطوات الصغيرة يمكن أن تُعيد لك جزءًا من المساحة الخاصة:
- لا تُسجّل دخولك بحساب غوغل أو فيسبوك في كل موقع وتطبيق.
- امنح كل تطبيق فقط ما يحتاجه من صلاحيات — لا أكثر.
- فعّل المصادقة الثنائية على حساباتك المهمة، فالأمان جزء من الخصوصية.
- لا تشارك كل مشاعرك فورًا… احتفظ بشيء لا يُقال.
- عندما تكتب شيئًا، اسأل نفسك: هل سأندم إن عاد إليّ بعد خمس سنوات؟
الخصوصية ليست حربًا، بل عادة تُبنى بوعي.
المحطة الأخيرة
ربما الخصوصية لم تَمت… لكنها صارت مرهقة.
لم يعد يكفي أن تغلق الكاميرا… بل أن تفهم من يراها.
لم يعد يكفي أن تُطفئ المايك… بل أن تُفكر قبل أن تتكلم.
في عالمٍ يطلب منك أن تشارك كل شيء…
أنت بحاجة إلى أن تحتفظ بشيء واحد فقط… لنفسك.