بقلم: Khattab Mrsey
في عام 1945، وقفت اليابان على رُكام مدنها. لم تنتصر، بل انكسرت، ووقّعت استسلامًا يُدوّن بالرماد.
لكنها ربحت شيئًا آخر… الزمن.
أعادت بناء نفسها، لا بالصراخ، ولا بالشعارات، بل بالصمت.
صمتٌ هندسي، صناعي، زمني… فجأة تحوّلت الأنقاض إلى مصانع، والمآسي إلى خطط، والنووي إلى تقنية.
وفي مكانٍ بعيد، كنّا نحن – السودانيين – نرفع رايات الاستقلال.
فرحنا كمن خرج من سجن بلا سقف.
ربحنا لحظة الاستقلال، ثم بدأنا نخسر كل دقيقة بعدها.
اليابان بَنَت… ونحن صرخنا
في اليابان، لم يكن السؤال: “من خان؟”
بل: “ماذا نحتاج لنبدأ؟”
أما هنا، فبدأنا بتوزيع المسؤوليات قبل أن نملك شيئًا.
استهلكنا الزمن في الحوارات، والانقلابات، والشعارات، والانشقاقات…
قلنا “الوطن فوق الجميع”، ثم دمرنا الجميع لأجل الكرسي.
أغرقنا المدن في الظلام، ثم أقمنا مؤتمرات عن التنمية.
وكل عام نقول: “عام الانتقال”، لكننا لا ننتقل.
لو كان الزمن سلعة…
لكان الياباني يشتريه ويستثمره،
والسوداني يوزعه في بيان رقم واحد.
لا مقارنة عادلة…
نعرف، لسنا في نفس السياق، ولا الظروف، ولا الاستعمار.
لكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف: ضيعنا ما ربحناه.
منذ الاستقلال، لم نؤسس وطنًا، بل أعدنا إنتاج الاحتلال بصوت محلي.
المحطة الأخيرة
اليابان خضعت، لكنها أدارت الهزيمة بكرامة.
نحن انتصرنا، لكننا أدرنا النصر بكبرياء فارغ.
كل مدينة هناك تحمل توقيعًا مستقبليًا،
وكل مدينة هنا تعيش في انتظار المجهول… أو الطوفان.
الفرق؟
هم اشتغلوا بصمت،
ونحن صرخنا بلا نتيجة.