مقدمة
منذ صعود الفاشيين إلى الحكم في إيطاليا والنازية في ألمانيا على أعتاب الحرب العالمية الثانية، لم تشهد الدول الغربية اهتمامًا إعلاميًا بظاهرة اليمين المتطرف والشعبوية كما هو الحال اليوم. هذه الموجة تجتاح أوروبا والأميركتين الشمالية والجنوبية، مما يثير قلقًا متزايدًا بين وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين.
التغطية الإعلامية لظاهرة اليمين المتطرف
إيطاليا
الصحافة الإيطالية الليبرالية، وفي طليعتها «لا ريبوبليكا» و«لا ستامبا»، تخصص مساحات واسعة يوميًا لظاهرة عودة اليمين المتطرف الفاشي إلى الحكم. هذه الصحف تركز على محاولات اليمين المتطرف للظهور بحلّة الاعتدال ونفض الصورة التي لازمته سابقًا.
إسبانيا
في إسبانيا، تفرد جريدة «الباييس» بابًا للتحقيقات والمقالات التحليلية التي تتناول نشاط اليمين المتطرف بعد دخوله بقوة إلى البرلمان ومشاركته في عدد من الحكومات الإقليمية لأول مرة منذ سقوط ديكتاتورية الجنرال فرانشيسكو فرنكو.
الولايات المتحدة وبريطانيا
مجلة «التايم» الأميركية و«الإيكونوميست» البريطانية تحذّران من خطر صعود اليمين المتطرف والأحزاب القومية على الديمقراطيات الغربية. وسائل الإعلام المتخصصة في التحليلات السياسية العميقة مثل «بوليتيكو» و«فورين بوليسي» تعبر عن قلقها من التداعيات الكارثية على الحريات والنظام الديمقراطي في حال استمرار الظاهرة.
فرنسا
صحيفة «لوموند» الفرنسية تواصل التحذير من مخاطر وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، وتدعو إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي لتحصينه ضد “الخطر الداهم” على القيم والمبادئ الجمهورية.
تأثير ملكية المؤسسات الإعلامية
في حين تتفق وسائل الإعلام الكبرى على هذه التحذيرات، يلاحظ أن معظمها أصبح بيد حفنة من المؤسسات الاقتصادية والمالية المعروفة بميولها المحافظة. هذه المؤسسات لعبت دورًا بارزًا في إخماد نشاط الأحزاب والقوى التقدمية واليسارية، مما أدى إلى انحسارها أو انهيارها في بعض الحالات.
دور وسائل الإعلام في صعود اليمين المتطرف
تشير أصابع الاتهام إلى دور المؤسسات الإعلامية الكبرى في صعود الحركات اليمينية والشعبوية. على سبيل المثال، القنوات التلفزيونية والصحف التي كان يملكها رئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلوسكوني لعبت دورًا أساسيًا في صعوده إلى الحكم ثلاث مرات.
التحولات في المشهد الإعلامي والديمقراطي
شهدت الديمقراطيات الغربية منذ مطلع هذا القرن تحولًا ملحوظًا في المشهد الإعلامي، مما أثر على النقاش السياسي العام. هذا التحول أحدث خللًا في توازن حرية التعبير وجاء لمصلحة التطرف والاستقطاب الحاد، مما أدى إلى أزمات قوضت المبادئ الأساسية للنظم الديمقراطية.
دور منصات التواصل الاجتماعي
منصات التواصل الاجتماعي لعبت دورًا فاعلًا في تشكيل المشهد السياسي الجديد، خصوصًا في ظهور القوى الشعبوية المتطرّفة المناهضة للنظام القائم. بعض الأحزاب، مثل «النجوم الخمس» في إيطاليا أو «فوكس» في إسبانيا، نشأت حصريًا على هذه المنصات وما زالت تشكّل قاعدة نشاطها الأساسية.
الصراع الجيوسياسي العالمي
الصراع الجيوسياسي العالمي المحتدم منذ سنوات ساعد على صعود الحركات والقوى الشعبوية واليمينية المتطرفة. روسيا الاتحادية سخّرت إمكانات ضخمة لدعم الأحزاب التي تعارض توسيع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، والصين تستخدم أساليب متعددة للتأثير في المشهد الإعلامي الغربي.
رد فعل الاتحاد الأوروبي
تنبه الاتحاد الأوروبي إلى تعاظم التدخل الروسي والصيني، ويعمل على تنظيم القطاع الإعلامي لتحصينه ضد هذا التدخل. آخر التقارير تفيد بأن هذا التدخل بلغ مستويات مقلقة جدًا من حيث تأثيره في العمليات الانتخابية في بلدان الاتحاد.
خاتمة
تتضافر عدة عوامل في صعود اليمين المتطرف والشعبوية في الدول الغربية، منها التحولات في المشهد الإعلامي، دور منصات التواصل الاجتماعي، والصراع الجيوسياسي العالمي. هذا الواقع الجديد يفرض تحديات كبيرة على النظم الديمقراطية والقيم والمبادئ الجمهورية التي قامت عليها.