ما هي العلاقة بين العبقرية والجنون؟
تقول النظرية الحديثة في علم النفس والتحليل النفسي: العُصاب الجنوني يصنع الكتاب الكبار، والإبداع العبقري يشفيه. بمعنى آخر، العبقرية تعني الانتصار على الجنون الداخلي، أو ترويضه، أو تحجيمه. كان دوستويفسكي قد قال لأخيه في رسالة مبكرة: “عندي مشروع كبير؛ أن أصبح مجنوناً (أي عبقرياً)”. لو لم يستطع تأليف رواياته الهائلة مثل “الجريمة والعقاب” و”الإخوة كرامازوف”، لكان قد جُنَّ نهائياً. الأمر ذاته ينطبق على سلفادور دالي، الذي أنقذته لوحاته الخارقة من الجنون.
كيف يعبر الإبداع عن الصراع الداخلي؟
معظم العباقرة الذين نسمع بأسمائهم ونُبجلهم كانوا يعانون معاناة سيكولوجية هائلة تصل أحياناً إلى حافة الجنون. بضربة عبقرية خارقة كتأليف قصيدة، أو رواية، أو كتاب فلسفي نادر، استطاعوا التغلب على هذه المعاناة. بهذا المعنى، كل عبقري مجنون بشكل من الأشكال، ولكن ليس كل مجنون عبقرياً. فجنون المجانين لا يؤدي إلا إلى الهذيان الكامل، ولا ينتج عنه أي شيء، بخلاف الإبداع الأدبي والفني الذي أتحفنا به شكسبير والمتنبي وجان جاك روسو.
ماذا عن جيرار دو نيرفال وحالات استثنائية أخرى؟
جيرار دو نيرفال، الذي جُنَّ وانتحر في نهاية المطاف بعد أن أتحفنا بروائع أدبية خالدة، لم يستطع حتى الإبداع الخارق أن يحميه من السقوط في حمأة الجنون وجحيمه البهيم. نيرفال ليس الوحيد؛ هناك نيتشه وهولدرلين وبعض الآخرين. نيرفال، هذا الرجل المسكين الطيب الذي احتقره عصره في القرن التاسع عشر بسبب متاعبه النفسية وفقره، راح القرن العشرون يرفعه إلى مصافِّ الكبار.
كيف ساهم السرياليون في اكتشاف نيرفال؟
يعود الفضل في اكتشاف جيرار دو نيرفال وإعطائه المكانة التي يستحقها على قمة الأدب الفرنسي إلى السرياليين. زعيم السرياليين، أندريه بريتون، خطا خطوة حاسمة في الاعتراف بأهمية نيرفال في المانيفست الشهير للحركة السريالية عام 1924. يقول بريتون عن نيرفال: “لقد سبقنا جيرار دو نيرفال إلى اختراع السريالية الواردة في كتابه: بنات النار. ينبغي أن نعترف بذلك. إنه الرائد الأول بالنسبة لنا”.
ما هي النظرة النقدية لتحليل إبداع نيرفال؟
يقول الناقد ريمون جان إن موقف السرياليين من جيرار دو نيرفال كان معقداً، فهم يتراوحون بين الإعجاب العقائدي به والانبهار بالتجربة المعيشة للجنون. السرياليون كانوا مهووسين بالجنون، يعتبرونه مرادفاً للإبداع العبقري. كل شاعر كبير يكون مهووساً حتماً ببعض العُقد النفسية. هذا الهوس ينعكس على كتاباته الإبداعية ويتجلى في نوعية المجازات الإبداعية التي يبتكرها والتي تتكرر بأشكال مختلفة على مدار أعماله.
ماذا قال نيرفال عن نفسه وكيف انتهت حياته؟
كان نيرفال يعاني من القلق المرعب الذي زعزع شخصيته وأفقده هيبته وأدى به إلى الانتحار. كتب نيرفال عن معاناته قائلاً: “يصعب عليَّ أن تروني مجنوناً. لم أعد أستطيع تقديم نفسي إلى أي مجلس. لم أعد أستطيع أن أتزوج أو أن أجد امرأة تقبل بي”. في النهاية، قرر نيرفال أن يضع حداً لحياته وشنق نفسه على عمود كهرباء في ساحة الشاتليه وسط العاصمة الفرنسية.
ماذا نكتشف من قصيدة نيرفال الأخيرة؟
قبل أن ينتحر، كتب نيرفال قصيدة تعبر عن إحساسه باليأس والعدم:
شاهدة على قبر
لقد عاش أحياناً فرحاً مرحاً كزرزور
أحياناً عاشقاً خليَّ البال حنوناً
وأحياناً مكفهراً حالماً كطائر حزين
حتى سمع في يوم من الأيام دقاً على الباب
إنه الموت! لقد جاء ملاك الموت. فترجاه أن ينتظر قليلاً
حتى يكون قد وضع اللمسة النهائية على قصيدته الأخيرة
ثم من دون أي تأثر أو انفعال راح يتمدد
في أعماق الصندوق البارد حيث يرتجف جسده
يذكرنا نيرفال بأن الشاعر الكبير هو وحده القادر على اختراع مجازات وعلاقات لغوية خارقة لم يعرفها تاريخ الشِّعر من قبل. هذا العبقرية النادرة تجعلنا نتساءل دائمًا: كيف يمكن للإبداع أن يكون سلاحاً ضد الجنون؟
تابعوا أحدث الأخبار والاكتشافات في “أخبار نافذة” أو “نافذة نيوز” للحصول على المزيد من المعلومات الشيقة حول العباقرة وإبداعاتهم.
اطلع علي مقالات (قسم الاقتصاد)
اعلان: تسوق بذكاء اختر مجوهراتك بذكاء من كلوفر للمجوهرات