أخبار نافذة الشرق
عندما يكشف استطلاع للرأي أن أكثر من نصف الألمان يؤيدون الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، بينما تواصل الحكومة التمسك بسياسة الانتظار، فإن السؤال البديهي يصبح: من يمثل من؟ هل السياسة الخارجية تعكس نبض الشارع، أم أن الحسابات السياسية والضغوط الدولية تفرض على برلين موقفاً مغايراً لإرادة شعبها؟
نتائج معهد «فورسا» جاءت واضحة: 54% قالوا “نعم” للاعتراف، مقابل 31% فقط قالوا “لا”. اللافت أن التأييد كان أكبر في شرق البلاد وبين الشباب وكبار السن، وهي مفارقة تستحق التأمل. وكأن الأجيال البعيدة عن مركز صناعة القرار ترى الحقيقة بوضوح أكبر، أو ربما أقل تقييداً بالمصالح المعقدة التي تحكم السياسة الألمانية.
التباين الحزبي ليس مفاجئاً: حزب «اليسار» يؤيد بنسبة ساحقة تصل إلى 85%، بينما يتراجع الحماس في صفوف التحالف المسيحي المحافظ و”البديل من أجل ألمانيا”. هنا تظهر السياسة الداخلية كمرآة للسياسة الخارجية، حيث تحدد الانتماءات الحزبية ليس فقط الموقف من فلسطين، بل من دور ألمانيا في العالم.
الحكومة، من جانبها، تكرر أن الاعتراف بفلسطين لا بد أن يأتي في نهاية مفاوضات “حل الدولتين”. لكن، وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن هذا الحل يبدو أبعد من أي وقت مضى. السؤال إذن: هل يصبح الاعتراف خطوة استباقية لإحياء المفاوضات، أم يظل ورقة ضغط لا تُستخدم إلا في اللحظة الأخيرة؟
اليوم، أكثر من 150 دولة تعترف بفلسطين، ومع تلويح دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا وكندا بالاعتراف، يبدو أن المشهد الدولي يتحرك، حتى وإن بقيت برلين مترددة. وربما، إذا استمرت الفجوة بين الشارع والحكومة، سيصبح الموقف الألماني أقل تمثيلاً لروح ديمقراطية تدّعي أنها تحترم إرادة مواطنيها.
في النهاية، المواقف التاريخية لا تصنعها استطلاعات الرأي وحدها، لكنها قد تكون أول جرس إنذار لمن يصر على تجاهل صوت الناس.