مقدمة: كرة القدم تتحول إلى قضية هوية
في فرنسا، كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل تعبير عن الانتماء، التنافس، والهوية. وإذا كنت من مشجعي باريس سان جيرمان وقررت أن تعيش أو تزور مرسيليا، فأنت على موعد مع تجربة مختلفة قد تتجاوز حدود التشجيع إلى صدام ثقافي ومجتمعي.
تشجيع باريس سان جيرمان في مرسيليا ليس خيارًا بسيطًا، بل قرار يستدعي الكثير من الحذر، وربما التخفي. فهل هو فعل محفوف بالخطر؟ الإجابة نرصدها لكم ميدانيًا من مراسل “نافذة الشرق”.
مرسيليا وباريس: خصومة أكبر من كرة القدم
مرسيليا… مجد أوروبي لا يُنسى
يفتخر سكان مرسيليا بأن فريقهم، أولمبيك مرسيليا، هو الوحيد في تاريخ الكرة الفرنسية الذي توّج بدوري أبطال أوروبا، عام 1993 على حساب ميلان الإيطالي. هذا الإنجاز أصبح محور هوية جماهير الجنوب، ورمزًا لتفوقهم التاريخي على نادي العاصمة الذي لم يحظَ بعد بنفس المجد الأوروبي.
باريس سان جيرمان: نادٍ ثري… لكنه مكروه
على الطرف الآخر، يرى جمهور مرسيليا أن باريس سان جيرمان “أفسد اللعبة” بثروته الطائلة، وغيّر موازين المنافسة في الكرة الفرنسية. وهذا الشعور تحول من غيرة رياضية إلى كراهية راسخة، تتجسد في الشوارع، أماكن العمل، وحتى في الملصقات على سلال المهملات.

الواقع اليومي لمشجعي سان جيرمان في مرسيليا
الحياة تحت التخفي
كشف العديد من مشجعي باريس في مرسيليا لـ”نافذة الشرق” أنهم لا يجرؤون على ارتداء قميص فريقهم علنًا. ماكسيم، البالغ من العمر 38 عامًا، يقول إنه يتجنب حتى ذكر اسمه الكامل أو عنوان سكنه، تحاشيًا لأي مشكلات محتملة.
أما ماتيو، مشجع آخر، فيكتفي بارتداء قبعة صغيرة عليها شعار “هنا باريس”، معتبرًا إياها أقل استفزازًا من القميص الرسمي.
المزاح… وأحيانًا التهديد
رغم أن بعض المشاهد تُصنف ضمن المزاح الثقيل – كإرسال صناديق عليها شعار سان جيرمان إلى مشجع داخل نعش – إلا أن بعض الحوادث توحي بخطورة كامنة. يقول يزيد سعيود، مدير جمعية محلية في مرسيليا: “نحن نعيش في تقاطع بين المزاح والخطر الحقيقي. الأمر أشبه بنكتة عنصرية… تضحك، لكنها تؤلم”.
التوتر في المناسبات الكبرى
نهائي دوري الأبطال 2020… لحظة صدام
عندما لعب باريس سان جيرمان نهائي دوري أبطال أوروبا أمام بايرن ميونيخ في 2020، لجأت الشرطة إلى محاولة حظر ارتداء قميص سان جيرمان في مرسيليا، خشية اندلاع اضطرابات. في الوقت ذاته، عجّت الشوارع بجماهير مرسيليا وهي ترتدي قمصان بايرن دعمًا للفريق الألماني، في مشهد أثار صدمة مشجعي باريس المقيمين هناك.
نهائي 2025… ما أشبه الليلة بالبارحة
يستعد النادي الباريسي لمواجهة إنتر ميلان في نهائي جديد، لكن مشجعيه في مرسيليا يفضلون السفر إلى العاصمة لحضور اللقاء. فـ”مشاهدة المباراة هنا قد تضعك في مأزق سواء فزت أو خسرت”، كما يقول ماتيو الذي اشترى تذكرته إلى باريس، حيث يمكنه التعبير عن فرحته بحرية.
رموز مرسيليا يغضبون الجمهور
مفاجأة غير متوقعة فجرتها تصريحات النجم السابق زين الدين زيدان وبازيل بولي، حين أبدوا دعمهم لنادي العاصمة. الخطوة أشعلت غضب الجماهير المارسيليونية، ما يعكس هشاشة العلاقات حتى بين رموزهم وتلك الخصومة المتجذّرة.
الحانات تختار جانبها
في الميناء القديم، من الصعب أن تجد حانة ترحب بمشجعي باريس سان جيرمان. “أوماليز”، واحدة من القلائل التي تفعل، لكن بحذر؛ إذ وزع مالكها قمصان نادي إنتر ميلان على نادليه لتفادي أي استفزاز محتمل لروّاد المكان.
خاتمة: كرة القدم مرآة لصراع أكبر
تشجيع باريس سان جيرمان في مرسيليا ليس خطرًا دائمًا، لكنه بالتأكيد محفوف بالمواقف الحرجة. المشجع هناك يوازن بين الحب لناديه والواقعية الاجتماعية التي تفرضها البيئة من حوله. الخصومة ليست فقط كروية، بل تعبير عن توتر بين العاصمة السياسية والاقتصادية، والمدينة الجنوبية التي تعاني من الفقر والتهميش.
في النهاية، كرة القدم في فرنسا، وبالأخص بين باريس ومرسيليا، لا تُلعب فقط في الملاعب… بل تُعاش بكل حدة في تفاصيل الحياة اليومية.
من مراسل نافذة الشرق – مرسيليا